المهوب بالحديدة..قرية على الهامش!

‏  8 دقائق للقراءة        1451    كلمة

 

المهوب بالحديدة..قرية على الهامش!

1

الحديدة نيوز / خالد راوح – عبدالحفيظ الزريقي

عندما تسير باتجاه مديرية الضحي شمال محافظة الحديدة وعلى بعد 7 كم تقريبا من عاصمة المحافظة وعلى يمين خط الحديدة حرض تستوقفك قرية المهوب التي غابت عنها أبسط مقومات الحياة ليس للحيوانات فحسب بل للبشر في القرية التي تقع بين مدن سكنية بسطها الأغنياء ومات أهلها من الجوع والفقر والمرض, يعيش سكانها في عالم يعود بنا إلى عصور الحياة البدائية مساكنها مبنية من القش بين رمال الصحراء يشيب رأسك عندما تسمع بأذنك وتشاهد بعينك حال تلك القرية ..
الجمهورية زارت تلك القرية واستطلعت جزءا من معاناة السكان ليس لغرض التسابق الصحفي، ولكن لننقل مأساة تنفطر لها القلوب تعيش بالقرب من المدينة لا يعرف سكانها من الحياة إلا مقلب القمامة القريب من مساكنهم.
سكان يعيشون خارج الزمن
نقلتنا السيارة شرق الخط الدولي الحديدة – السعودية في طريق رملية عرجنا على أكوام من القش لنلقى عالما يعيش خارج الزمن وكانت البداية من امرأة في الخمسينيات من عمرها حسب تقديرنا أما هي أكدت أنها اقل من ذلك بكثير قالت إن لديها أربعا من البنات إحداهن درست إلى الصف السابع وخرجت بعدها لتستقر في بيت الزوجية بينما الأخريات لم يدرسن إطلاقا.. أما الأخ حسن شيبة قال بأن لديه ثلاث بنات وأربعة ذكور فقال: نعيش في هذا المكان لا نعرف كهرباء ولا صحة والتعليم إلى الصف الثالث فقط وعن سبب عدم التحاق بناته بالمدرسة قال لأن المدرسين من الذكور ونخاف عليهن ولا أستطيع الإنفاق عليهن.
التعليم إلى الصف الثالث
يوجد في القرية مدرسة حديثة المبنى عبارة عن 6 فصول وساحة وحمامات مغلقة رفع عليها شعارات تلفت الأنظار كتبت بخط كبير على رأس المدرسة “من حقي كطفل أن أتعلم لا أن أعمل “وشعار آخر” أنا أحب مدرستي” ولكن المفاجأة كانت عكس ما كتب من شعارات.. أوضح الآباء والطلاب الذين تجمعوا من حولنا بالقول: نحن نتعلم ولا نعرف القراءة والكتابة والسبب أن هناك تلاعبا من المدرسين الذين يأتون إلينا من المدينة ويدرسون ساعتين ويغادرون عائدين إلى المدينة والبنات يدرسن حتى الصف الثالث وبعدها يجبرن على ترك الدراسة لأن المدرسة لا يوجد بها مدرسات.. الأستاذة فاطمة بغوي إحدى مدرسات مدارس المدينة وناشطة في حقوق الإنسان قالت:“طرحت مشكلة عدم تدريس البنات في هذه القرية على عدد من المدرسات وأبدين استعدادهن للتطوع بالتدريس بالمدرسة مجانا، ولكن صعوبة المواصلات هي التي تعيق ذلك وأن أجرة الباص إلى تلك القرية مبلغ خمسة عشر ألف ريال وهو مبلغ زهيد لكن من يدفعه!؟
المياه الحسنة الوحيدة
كان بالقرية بئر قديمة عمرها يزيد عن مئة عام حفرها احمد مراد رحمه الله وكان المواطنون يدلون بالحبل يدويا وقد سعت الأستاذة فاطمة بغوي لدى أهل الخير وقاموا بحفر بئر وبناء خزان مع مضخة وشبكة موصلة للعشش فيما قيمة الديزل قالت خميسة إن الأهالي يجمعون قيمة الديزل للعاقل من 400 ريال ويقوم بشرائه وهذه هي الحسنة الوحيدة التي حصلوا عليها ومن أهل الخير بعد أن حرمت تلك القرية من شربة ماء نظيفة لأن الارتوازي لا يبعد كثيرا عن أحواض المجاري.
أطراف تتآكل والصحة منعدمة
أحد المواطنين قال: إن الصحة لا يعرفونها إلا في المدينة وإذا فكر أحدهم بنقل مريضة إلى المدينة يحتاج على الأقل 20000 ريال بين مواصلات وعلاجات وغالبية الأمراض هي الملاريا والحميات والأمراض الجلدية تأكل الأطراف كحال الحاجة رياضة التي شاهدنا يدها وتأكل أصابعها قالت إن السبب في ذلك يعود إلى النبش في القمائم, أما الحاجة سعيدة فقالت إن الله هو الشافي ونأكل للملاريا أوراق شجرة المريمرة والأعشاب والكي بالنار فالقرية لا يوجد بها مركز صحي ولا طبيب ولا ممرض مهملة من زمان وعن حملات التحصين استغربت وقالت أيش من حملة.. أما الحاج مثنى ثابت كان يحمل طفلا عمره ثلاث سنوات اسمه فتحي وكان يصرخ من الألم وخوفا من كاميرا التصوير قال إنه يعاني من فتق منذ فترة طويلة ولم يستطع معالجته بسبب فقره وقلة حيلته وطالب أهل الخير مساعدته والتبرع لعلاجه لإجراء العملية.. الأخت كفاية إبراهيم إحدى الناشطات في حقوق الإنسان قالت إنها نقلت معاناة أهل القرية إلى مؤسسة العاطف الخيرية التنموية فأبدوا استعدادهم بعمل مخيم طبي مجاني لمدة أسبوع لتلك القرية والقرى المجاورة لها.
الكهرباء فوق رؤوسهم ويعيشون بالظلام
لا يعرف سكان قرية المهوب الكهرباء إلا من خلال مشاهدة النور القادم من أعماق المدينة من حولهم وعندما يدهم القرية الظلام يخلدون إلى النوم فلا مجال لمشاهدة التلفزيون الذي لا يعرفه الأطفال والنساء ويسهرون على ضوء القمر فيما كابلات الكهرباء تمر من فوق رؤوسهم يمينا ويسارا ولا يعرفون لا شمع ولا فوانيس ويعتبر الفوانيس والشمع لا يملكه إلا الأثرياء من القوم ممن يستطيعون الدخول إلى المدينة.
يعتمدون على المخلفات
حسناء إحدى نساء القرية قالت إن الرجال يعملون برعي الأغنام أو الصيد أو العمل في جمع المخلفات من مقلب القمامة اما لبيعه أو يستخدمونه طعاماً لمواشيهم.. إحدى النساء ممن يذهبن إلى محرقة القمامة قالت إن البعض يذهبن برفقة الأزواج والأطفال لينتشلوا المواد الغذائية المرمية كالرز.
وقالت: إن أحلى الأيام لديهم عندما يقوم الجودة والمقاييس بإتلاف المواد الغذائية لهذا ينتظرون بفارغ الصبر مغادرتهم ليقوموا بتجميع الدجاج واللحوم والجبن المنتهي الصلاحية والعصائر ويعودون به إلى المنازل كغذاء طال انتظاره بفارغ الصبر.. وقال أطفال من الذين تجمعوا حولنا: إننا نذهب ونأخذ الخبز والروتي السليم نأكله والتالف للحيوانات ونأكل الجبن المنتهي والعصائر والدجاج ولا يجري بنا شيء والذي يتسمم يموت الله يرحمه.
الكلاب المسعورة تأكل طفلة
تنتشر داخل القرية كلاب تتنوع بين أليفة ومسعورة وتهاجم الأطفال حتى داخل العشش وأحواش المنازل وليس هذا فحسب بل وتهاجم الموتى في قبورهم بنبشها القبور لالتهام جثث الأموات.. قالت خميسة إن إحدى حفيداتها وعمرها عام كانت داخل العشة وأثناء انشغالهن بإعداد الأكل هاجم الطفلة كلب مسعور ونهش جسدها في الوجه وأماكن متعددة أصيبت بعدها بداء الكلب ولم يتمكن أهلها من إسعافها لفقرهم المدقع الذي حال بينهم والوصول إلى المدينة للعلاج وكانت نهايتها بعد ثلاثة أيام إلى الدار الآخرة.
معمرة مقعدة تعمل في حياكة الخزف
المعمرة عيشة لا أحد من القرية يعرف عمرها الحقيقي ولا كيف بترت ساقها اليمنى قالت إنها عاصرت الإمام احمد وظل الفقر يلازمها حتى اليوم تعيش داخل كوخ صغير من القش يتسع لسريرها المصنوع من الحبال تجلس عليه طوال اليوم تغزل حبالا من سعف النخل وشجر الدوم لتكسب قوتها من عرق جبينها رغم أنها لا تسمع إلا القليل وتحتفظ بشيء من نظرها فهي مقعدة على السرير تعمل دون توقف ولها ابن قريب منها يقوم بمواساتها بالطعام ويساعدها بتصريف بضاعتها التقليدية وسألنا بكم تبيع الحبال قالت أربعة حبال طول الواحد خمسة وعشرون باعا (25مترا) بسعر مئة ريال وتشكو أنها لم تعد كما كانت سابقا بالجهد, وتستخدم هذه الحبال التي تقوم بغزلها في تجهيز الأسرة وعدد من الأعمال الخزفية.
السكان يقضون حاجتهم في العراء
يقضي السكان حاجتهم في الخلاء بين الأشجار الشوكية ويتبرز الأطفال في ساحات المنازل وعلى المرأة تجميع تلك المخلفات ودفنها بالرمال وبالقرب من المدرسة يوجد مسجد قال الأهالي إنه بني على نفقة فاعلة خير من المملكة العربية السعودية تبرعت به لأبناء القرية الذين وجدت فيهم التزاما بالصلاة فيما لا يوجد بالمسجد مياه ولا حمامات وبحاجة إلى تبرعات أهل الخير بفرشه وتأثيثه وإعادة تأهيل الحمامات سواء بالمسجد أو المدرسة وهما المرفقان الوحيدان بقرية المهوب ولا يستخدمان.
زيارة المسئولين أيام الانتخابات
تظل القرية منطقة محرومة لا يزورها المسئولون وأثرياء المدينة إلا في أيام الانتخابات فهي من ترجح كفة الفائز في صندوق الاقتراع قال عبدالله إن المسئولين شاهدناهم أيام الانتخابات يحملون الناخبين في السيارات إلى الصناديق وبعدها يعيدونهم إلى القرية بدون فطور رغم وعودهم لنا بتنمية القرية بإدخال الكهرباء ومركز صحي إلا أنهم في كل مرة يذهبون إلى غير رجعة ومازال الأمل معقودا لديهم بالحلم بغد أفضل ويطالبون بمرشح من قريتهم يحس بمشاكلهم وهمومهم.
ضمان اجتماعي غائب
أما الضمان الاجتماعي فقالوا بأنهم حرموا منه في سنوات طويلة وإن المسجلين فقط من الرجال ولعدد محدود وبغرض الدعاية الانتخابية والنساء ليس لهن نصيب في ذلك وتساءلوا إذا كنا نحن الذين نأكل من القمامة ونلبس الرث من الثياب المتبرع به لا نحصل على الضمان فمن يستحق الضمان!؟ هل الضمان للعقال والمشائخ فقط!؟
الخاتمة
المهوب قرية الأرض من حولها تباع بالملايين من الريالات ويتهافت عليها ناهبو الأراضي من كل مكان وحوصرت القرية بالمدن السكنية وبقيت المهوب وسكانها محرومين من الخدمات الأساسية يقتاتون من مقلب القمائم ويفترشون التراب وعلاجهم الأعشاب والكي بالنار, وكأن السلطة المحلية محتها من خارطة المحافظة لا يذكرونها إلا في مواسم الانتخابات حرمت الطفولة فيها من أبسط الحقوق أما النساء فلا تعليم ولا صحة جسدية ولا إنجابية ولا شيء يشعرها بآدميتها كامرأة تقضي يومها بين أكوام القمامة للبحث عن لقمة عيش لها ولأولادها ولا يزال الأمل معقودا على المنظمات الحقوقية والإنسانية بتركيز الدعم على إيجاد مشاريع دعم لتعليم وصحة الفتاة.  ” الجمهورية ”

عن gamdan

شاهد أيضاً

من ينقذ الموهبة حسان ريان !!

‏‏  2 دقائق للقراءة        214    كلمة الحديدة نيوز / كتب / منصور الدبعي  هذا حسان ريان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *